بيان رابطة المودعين حول قانون الفجوة المالية، لا للمساس بالذهب، ونعم للمحاسبة والتدقيق الجنائي وتراتبية توزيع الخسائر

بيان رابطة المودعين حول قانون الفجوة المالية، لا للمساس بالذهب، ونعم للمحاسبة والتدقيق الجنائي وتراتبية توزيع الخسائر

قبيل مناقشة مشروع قانون “استعادة الانتظام المالي وردّ الودائع”، وانطلاقاً من مسؤولية الرابطة في الدفاع عن حقوق المودعين، وعن المبادئ الدستورية والمالية التي يفترض أن تحكم أي معالجة لأكبر انهيار مالي عرفه لبنان.

إننا نُدرك حاجة المودعين خاصة واللبنانيين بشكل عام لإنجاز قانون للفجوة المالية يقدم الحل المالي العادل لأزمة الودائع في المصارف، ونُدرك حجم التعقيدات التي تحيط بهذا الملف، كما نُدرك أن أي حلّ لا يمكن أن يكون مثالياً. كما ندرك أنّ السيناريو الأسوأ الذي يمكن أن يصيب المودعين، هو استمرار الأزمة المفتوحة، من دون قانون يعالجها، وهو ما يدفعنا للتوجّه إليكم بنيّة تطوير مشروع القانون وتحسينه، لا تطيير المسار بأسره. مع الإشارة إلى أنّ حساسيّة المشروع الحالي تكمن في كونه لا يقتصر على توزيع الخسائر، بل يعيد تعريفها، ويعيد ترتيب المسؤوليّات المتصلة بحقوق المودعين والمال العام والأصول الاستراتيجيّة غير القابلة للتصرّف.

أولاً: في مبدأ حماية المودعين وحدوده الفعلية

يقدّم المشروع حماية معلنة لصغار المودعين عبر ردّ مبلغ يصل إلى 100 ألف دولار على مدى أربع سنوات. ونحن نقدّر هذا الالتزام من حيث المبدأ، لكونه ينطلق من فكرة ضمان كل وديعة إلى أقصى حد، ولو أنه يأتي متأخراً بعد أن تكبّد مئات آلاف المودعين خسائر فعلية منذ عام 2020، نتيجة السحب القسري على أسعار صرف مجحفة، من دون أي تعويض أو احتساب لهذه الخسائر السابقة.

إلا أن المشروع برأينا:
لا يعالج مصير الودائع بالليرة اللبنانية التي فقدت ما يقارب 98% من قيمتها.

ويكرّس مبدأ “التعويض الواحد” لكل مودع على مستوى القطاع المصرفي ككل، لا على أساس كل مصرف، (bank by bank)، وهو ما يقلّص من نطاق الأموال المضمونة لأصحاب الودائع الصغيرة والمتوسّطة.

كما يفتح الباب أمام شطب فئات واسعة من الودائع والفوائد تحت تسميات فضفاضة (ودائع غير مشروعة، فوائد مفرطة، تحويلات بعد 2019)، من دون ضمانات قضائية كافية، ما يشكّل مساساً خطيراً بالحق في الملكية وبمبدأ الأمن القانوني.

كما ولم يلحظ القانون اي ذكر لطريقة معالجة الودائع التي تكونت بعد ٢٠١٩.

ثانياً: في تحميل الدولة العبء الأكبر من الخسائر

إن الصيغة المطروحة تنطوي على غموض في النص، إزاء كيفيّة تحديد حجم الديون المتبادلة بين الدولة والمصرف المركزي، كما لا تترك سقفاً واضحاً يضمن عدم تحوّل هذه الالتزامات إلى ديون عامّة غير مستدامة، بما يحمّلها للأجيال المقبلة. كما نرى أنّ النص ترك بعض الغموض، حيال الجانب المتصل بكيفيّة احتساب ومعالجة خسائر مصرف لبنان، ثم التراتبيّة الزمنيّة لعمليّة لحظ موجبات إعادة الرسملة في المصارف من جهة، واحتساب الأصول غير المنتظمة من جهة أخرى.

ثالثاً: في المصارف وتراتبية الخسائر

لا يكرّس المشروع بشكل واضح وحاسم مبدأ تراتبية الخسائر المعتمد دولياً، والذي يفرض شطب رساميل المساهمين بالكامل قبل المسّ بحقوق المودعين. بل إن بعض الصيغ تسمح بإبقاء جزء من رساميل المصارف أو إعادة بنائها تدريجياً، في حين يُطلب من المودعين تحمّل اقتطاعات مباشرة أو غير مباشرة (سندات طويلة الأجل، شطب فوائد، تضخم زمني).

إن أي تعافٍ مصرفي لا يبدأ بمحاسبة المساهمين وإطفاء رساميلهم هو تعافٍ شكلي، لا يعيد الثقة ولا يحقّق العدالة.

رابعاً: في المساءلة واسترداد الأرباح غير المشروعة

ترحب الرابطة من حيث المبدأ بإدراج آلية لاسترداد جزء من الأرباح والمكافآت المفرطة التي حصل عليها المساهمون والإداريون. إلا أن:

تحديد النسبة بـ30% فقط يبدو متدنياً مقارنة بحجم الخسائر التي حُمّلت للمودعين.

غياب تعريف دقيق وملزم لمفهوم “الربح المفرط” يفتح الباب أمام اجتهادات انتقائية.

كما أن تقسيط الاسترداد على سنوات يفرغ الإجراء من طابعه الردعي.

أما في ما خص التحويلات إلى الخارج التي قام بها مساهمون وإداريون وجهات مرتبطة بهم، فإن المعالجة المقترحة تبقى ناقصة في ظل غياب ربط واضح بالمساءلة الجزائية، ولا سيما في حالات الاشتباه باستخدام معلومات داخلية.

والأمر ذاته ينطبق على القروض التجارية الكبرى التي تم سدادها باللولار والتي لا تكفي نسبة ال ٣٠% المحددة في القانون كضريبة لتغطي الاستفادة التي حصل عليها هؤلاء، بل لابد لهم من اعادتها ولو على مهل زمنية آجلة ولكن بنسب محددة.

كما ان النسخة من القانون لم تذكر خيار استبدال قسم من الودائع إلى أسهم في المصرف بعد التقييم (bail in) علما انه مبدأ يقع تحت المعايير الدولية.

خامساً: خطورة المس باحتياطي الذهب

تعبّر رابطة المودعين عن قلق بالغ إزاء إدراج احتياطي الذهب، صراحة أو ضمناً، ضمن الضمانات المحتملة لسداد السندات أو تغطية الخسائر.

إن احتياطي الذهب:
هو ملك عام للشعب اللبناني بأكمله، محميّ بقانون خاص.

ليس أصلاً مالياً عادياً ولا يجوز استخدامه لتغطية خسائر نظام مصرفي أو لتعويض فئة محدودة من المودعين.
يشكّل آخر دعامة سيادية ومالية للدولة، وأي مسّ به من دون توافق وطني وتشريع صريح يُعد مساساً بالسيادة وبحقوق الأجيال القادمة.

إن تحميل الذهب كلفة الانهيار يعني عملياً خصخصة الخسائر وتعميم المخاطر، ويشكّل سابقة خطيرة لا يمكن القبول بها تحت أي عنوان.

ونرى أنّه من مصلحة المودعين والمجتمع ككل إعادة التأكيد على مضمون القانون 86/42 الذي يمنع التصرّف بالذهب.

سادساً: غياب الرواية القضائية الشاملة

يلاحظ أن المشروع يركّز على معالجة محاسبية للأزمة، من دون النص على تدقيق جنائي شامل أو تحديد واضح للمسؤوليات الجزائية.

وهذا يثير خشية جدية من أن يتحول القانون إلى إطار لإقفال الملف المالي من دون مساءلة، بما يشبه عفواً اقتصادياً مقنّعاً، يتناقض مع حق المودعين والمجتمع في الحقيقة والعدالة.

في الختام،
إن رابطة المودعين ترى أن إقرار هذا القانون بصيغته الحالية يحمل مخاطر قانونية ومالية واجتماعية جسيمة. وعليه، تطالب بما يلي:

١- تكريس واضح وغير قابل للتأويل لترتيب الخسائر يبدأ بالمساهمين قبل المودعين، وذلك عبر تصفير رساميل المصارف وتدقيق جنائي فيها.
٢- استبعاد أي مس مباشر أو غير مباشر باحتياطي الذهب.
٣- تعزيز آليات المساءلة الجزائية وربطها بالمسارات القضائية القائمة.
٤- ضمان حماية عادلة للمودعين تراعي الخسائر السابقة ولا تميّز بينهم تعسفياً.
٥- عدم تحميل المال العام والدين العام كلفة انهيار نظام خاص من دون إصلاح جذري.

إن هذه اللحظة مفصلية، وأي قرار يُتخذ اليوم سيحدّد شكل العقد الاجتماعي والمالي في لبنان لعقود مقبلة.

شارك البيان

Facebook
Twitter
LinkedIn
WhatsApp
Telegram

بيانات إضافية

الرئيسيةبياناتحقوقكإنتسب