في عز الأزمة الاقتصادية والمصرفية منتصف العام 2020، وبعد أشهر من الفراغ في لجنة الرقابة على المصارف، تم تعيين أعضاء جدد في أعلى سلطة رقابية مصرفية، بعد تجاذبات سياسية وخلافات على الأسماء، لينتهي الأمر بلجنة رقابية، للمصارف اليد الطولى فيها. وهو ما أثبتته التجارب. فالمصارف تقترف المخالفات والانتهاكات بكافة أشكالها أمام أعين لجنة الرقابة، وربما برضا بعض أعضائها. فاللجنة التي من المفترض أن تتمتع باستقلالية تامة هي في حقيقة الأمر تنتمي بعدد من أعضائها إلى جمعية المصارف الخاضعة لرقابتها. بمعنى آخر تراقب المصارف نفسها عبر لجنة الرقابة على المصارف.

أُنشأت لجنة الرقابة على المصارف بموجب القانون 67/28 على أنها لجنة مستقلة غير خاضعة في أعمالها لسلطة مصرف لبنان، أنيطت بها صلاحيات الرقابة على المصارف. وحسب قانون إنشائها، فإن من مهامها التحقيق في حسن تطبيق النظام المصرفي وفق الأصول المحدّدة في قانون النقد والتسليف، ولاسيما في المادتين 149 و150، والقيام بالتدقيق الدوري في جميع المصارف، وممارسة صلاحيات الرقابة الممنوحة لحاكم مصرف لبنان. كما يحق للجنة الرقابة على المصارف أن تضع لأي مصرف برنامجاً لتحسين أوضاعه وأن توصيه بالتقيّد بها. وبالنظر إلى كل تلك الصلاحية، وأمام المخالفات الهائلة التي تقترفها المصارف بحق مودعيها وعملائها، وتجاوزاتها للاتفاقيات والدستور والقوانين والمراسيم والعقود.. أين هي لجنة الرقابة على المصارف من كل ذلك؟

بين اللجنة والمصارف

ولأن مئات المخالفات تُرتكب من قبل المصارف خلافاً لقانون النقد والتسليف وسائر القوانين، ونظراً لكون التحقق من حسن تطبيق النظام المصرفي يأتي ضمن مهام لجنة الرقابة، عمدت رابطة المودعين إلى إطلاق حملة بعنوان “الحملة على لجنة الرقابة على المصارف”، لإلقاء الضوء على عمل اللجنة التي أناط بها القانون صلاحية المراقبة والتدقيق الدوري على جميع المصارف، والحق في وضع برنامج لتحسين أوضاع أي مصرف وضبط نفقاته، وحماية المودعين بشكل أو بآخر من تجاوزات المصارف. لكن السؤال أين هي لجنة الرقابة على المصارف من كل ما يحصل اليوم في القطاع المصرفي؟ وكيف تعاملت مع شكاوى المودعين منذ تاريخ تعيينها في شهر حزيران 2020 وحتى اليوم؟ والسؤال الأهم، هل لدى لجنة الرقابة الاستقلالية الفعلية التي تخوّلها ممارسة مهامها بجدّية وشفافية؟

كيف يمكن أن نأمل بلعب لجنة الرقابة على المصارف دور المدافع عن حقوق المودعين، والضابط لأداء المصارف المخالفة في جوانب كثيرة، في حين أن تعيين بعض أعضاء لجنة الرقابة يتم من قبل جمعية المصارف نفسها، بشكل مباشر أو غير مباشر، مع مراعاة الانتماء السياسي الحزبي وطبعاً الطائفي، بدليل أن مسألة تعيين أعضاء جدد في لجنة الرقابة عام 2020 شهدت سجالات وخلافات دامت لأشهر.

تضارب صلاحيات

لجمعية المصارف حصة وازنة في لجنة الرقابة على المصارف المخوّلة رقابتها. فالقانون يتيح لجمعية المصارف تعيين 2 من أصل 5 أعضاء في لجنة الرقابة على المصارف، أحدهما تعينه جمعية المصارف بشكل مباشر، وهو حالياً جوزيف حداد. والثاني تعينه مؤسسة ضمان الودائع التابعة بغالبية أعضائها إلى جمعية المصارف، وممثلها حالياً في لجنة الرقابة على المصارف مروان مخايل. أضف إلى أن كافة أعضاء اللجنة الحالية يعكسون بتعيينهم محاصصة سياسية للمناصب، ما يجعل من لجنة الرقابة على المصارف هيئة رقابية غير مستقلة لا عن المصارف ولا عن السلطة السياسية، المساهمة بعدد كبير من أطرافها في المصارف نفسها.

هل يمكن مقاضاة لجنة الرقابة؟

أمام هذا الواقع، رب سؤال يُطرح حول جدوى حملة رابطة المودعين التوعوية على لجنة الرقابة على المصارف، وتشجيع المودعين والعملاء المصرفيين على التقدم بشكاوى بحق المصارف إلى اللجنة، يجيب عليه أحد محامي الرابطة، رفيق غريزي، في حديث لـ”المدن”، بأن الرابطة التي نشأت بظل ظروف السطو على أموال الناس، وضرب كافة المعايير القانونية والنظامية والاخلاقية، تشكل قوة ضغط. وستسلك كافة الخيارات والمسارات لمحاولة استرداد اموال المودعين. لذلك “لن نترك أي مرجع مختص من دون اللجوء إليه في قضية المودعين، خصوصاً لجنة الرقابة على المصارف، حتى وإن كنا على علم مسبق بعدم وجود أي نوايا لدى المرجع المختص للتحرك. لكن ذلك لن يثنينا عن الاستمرار في وضعه أمام مسؤولياته، وتثبيت المخالفات على كل من يتقاعس عن القيام بواجباته بحماية أموال المودعين وتحصيل حقوقهم”.

إذاً، هل من المتوقع مقاضاة لجنة الرقابة على المصارف، في حال عدم قيامها بواجباتها والتجاوب بوضع حد للمصارف المخالفة للقوانين؟ يوضح غريزي أن السلطة السياسية تعمدت عدم تطوير القوانين وتحديثها، والإبقاء على نصوص قانونية تقضي بأنه “في حال تقاعس لجنة الرقابة أو ارتكابها المخالفات يمكن رفع الملف إلى حاكم مصرف لبنان، ليحيله بدوره إلى رئاسة مجلس الوزراء عبر مجلس الوزراء، والذي بدوره أمامه شهر للبت بالموضوع. وفي حال عدم البت يصبح القرار المتخذ من قبل حاكم مصرف لبنان نافذاً”. لافتاً إلى أهمية إثبات مخالفات لجنة الرقابة على المصارف، كنتيجة لعدم تجاوبها والقيام بدورها. كما سيتم توثيق مخالفات لجنة الرقابة على المصارف، ورفعها لاحقاً الى حاكم مصرف لبنان، لممارسة مهامه وصلاحياته تجاه اللجنة، واتخاذ الإجراءات المناسبة التي تتراوح بين التنبيه واللوم والوقف عن العمل.

مخالفات وتخاذل

تكثر مخالفات المصارف وبطشها، وتعدياتها على حقوق المودعين، ونظراً لصعوبة وصول المتضررين من العملاء المصرفيين إلى مكاتب لجنة الرقابة والتقدم بشكاوى، وهو ما تؤكده اتصالات هاتفية عرضتها الرابطة على صفحاتها، أوجزت رابطة المودعين بعض المخالفات في رسالة وجّهتها إلى لجنة الرقابة على المصارف “بمثابة شكوى تطلب عبرها توضيح موقف اللجنة من أداء المصارف، والخطوات التي اتخذتها لضبط مخالفات المصارف، تمهيداً لقيام الرابطة باتخاذ كافة الاجراءات القانونية لملاحقة المقصّرين”.

وبعض مخالفات المصارف التي أوردتها رابطة المودعين في رسالتها إلى لجنة الرقابة على المصارف، احتجاز أموال المودعين بالعملة الأجنبية، واستنسابها في حدود التصرف، وسحب الأموال بالليرة اللبنانية خلافا للدستور اللبناني، والقيام عن قصد وبسوء نيّة وبطريقة احتيالية ببيع الأسهم التفضيلية إلى أشخاص غير ذوي خبرة في المجال، بعدما سوقت لها كوديعة أكيدة وآمنة، وقيام المصارف بفتح حسابات Credit Linked Deposits للمودعين من غير ذوي الخبرة، من دون معرفتهم، وبطرق غير مفهومة، على نحو تمكنوا عبر نقل أخطار وخسائر سندات الخزينة والـEurobonds من المصرف صاحب القرار والخبرة إلى المودعين غير المطلعين ومعدومي الخبرة، وإرسال بعض المصارف كتب إلى المودعين تحضهم على سحب نسبة من ودائعهم وخسارة الجزء المتبقي بعد إقفال الحساب، أو تحويل ودائعهم الى سندات خزينة، أو تجميد إيداعاتهم لفترة زمنية طويلة غير محددة، ورفض المصارف قبض الشيكات من آلاف المودعين، خلافاً لعقود فتح الحسابات، ومماطلة المصارف لأسابيع لتسليم العملاء الأموال الجديدة Fresh Money الواردة من الخارج، متذرعة بحجج واهية، إضافة إلى فرض نسب عمولات مرتفعة غير منطقية وغير مبررة، واقتطاع المصارف عمولات جديدة من حسابات المودعين من دون أي وجه حق.

وذكرت الرابطة بأن للجنة الرقابة على المصارف دوراً أساسياً في مراقبة تطبيق القانون 193/2020 المتعلق بالدولار الطالبي والتعاميم المنظمة له. وما زالت المصارف تتمنع عن إجراء التحاويل للطلاب اللبنانيين في الخارج، إضافة إلى رفضها قبول الإيفاء للقروض بالليرة اللبنانية وغيرها كثير من المخالفات.

أمام كل تلك المخالفات، لم يرف جفن لجنة الرقابة على المصارف حتى اللحظة، ويعزو مصدر مصرفي سابق السبب، في حديث إلى “المدن”، إلى أن المصارف لم يعد يعنيها أي ملاحظات أو تحذيرات من لجنة الرقابة، لأن الأولويات التي تضعها اليوم أمامها هي “الخلاص” فقط، والخروج من الأزمة بأقل أضرار ممكنة، بصرف النظر عن الآليات مهما خالفت القوانين.