تفضح العديد من المستندات والعقود التي تبرمها المصارف مع مودعيها سوء نوايا ورغبة احتيالية متعمّدة، لما تتضمنه من شروط وأحكام وبنود ملتبسة تسهّل للمصارف “السطو” على أموال مودعين، بموجب عقود موقّعة منهم منذ سنوات. ولا تقتصر الممارسات الاحتيالية من قبل المصارف على السنتين المنصرمتين، بعد تفجّر الأزمة في لبنان، بل يعود بعضها إلى سنوات ما قبل الأزمة. ما يطرح العديد من التساؤلات حول عِلم إدارات المصارف مسبقاً بحجم المخاطر المرتفع الذي يحيط بالودائع واحتمال تحضّرها لوقوع الأزمة.

استغلال واستغفال المودع
وحدهم المودعون من فوجئ بالأزمة، لاسيما منهم الذين جرى استغفالهم من قبل المصارف، والإستحصال منهم على تواقيع عقود تجرّدهم اليوم من حق استعادة أموالهم. وليس بنك عودة سوى جزء من منظومة المصارف التي استغلت مودعيها. وآخر ارتكاباته، الاستحصال خلال الفترة الماضية على تواقيع من زبائنه، أصحاب الودائع المجمّدة، على ما يسمى Credit linked deposit (المستند المرفق). وبموجب هذا البرنامج يعطي المصرف نفسه الحق بعد انتهاء أجل تجميد الوديعة، أو في حال قرر صاحب الحساب إغلاق حسابه، بالتصرف بالحساب وما إذا كان سيسدد الوديعة كاملة أو مقسّطة أو على شكل سندات خزينة أو شهادات إيداع.

وبعد تفجّر الأزمة، مارس بنك عودة الضغوط على مودعيه أصحاب الحسابات المجمدة، لاسيما اولئك الذين يطالبون باستعادة أموالهم، وألزمهم بالتوقيع على استلام 25 في المئة من قيمة الوديعة لولار، أي بالدولار المصرفي، و25 في المئة بعد 5 سنوات، و50 في المئة بعد 9 سنوات. وقد علمت “المدن” أن العديد من المودعين قد وقعوا على تلك الشروط، في حين اتجه بعضهم إلى القضاء.

ويقول أحد أصحاب الودائع المجمدة، إن العقد موقع من قبل والدته، وهي سيدة مسنّة لم تكن تعلم بمخاطر الشروط التي وقعت عليها، ولم يتم توضيح الأمر من قبل المصرف. وقد فوجئ مؤخراً بعدم تمكنه من سحب الوديعة أو حتى تحريرها.

“عودة” يبرر
شكاوى عديدة وردت إلى محامي رابطة المودعين بحق بنك عودة، بشأن المستند المذكور أعلاه. واللافت أن معظم الشكاوى وردت من مودعين مسنّين، أو غير مطلعين على مخاطر هكذا عقود. ويقول في هذا الصدد أحد محامي الرابطة، فؤاد الدبس، في حديث إلى “المدن”، أن هذه الممارسات تفضح سوء نوايا المصرف، وتؤكد معرفته وعلمه المسبق بوقوع الأزمة من خلال تحضره لها: “هناك سوء نوايا واضح”. كما أن المصارف، ومن بينها بنك عودة، ترتكب مخالفات قانونية تصل إلى مستوى الاحتيال المتعمد والسطو على ودائع الناس.

لم ينكر “بنك عودة” تلك المستندات. لا، بل برّر عقدها مع الزبائن، باعتبار أن حصول المودع على فوائد عالية بموجب البرنامج Credit linked deposit، فذلك يحتّم عليه القبول بشروط وأحكام العقد. علماً أن الشروط تختلف بين مودع وآخر، حسب قول المصرف، لكن الثابت الوحيد هو أن ارتفاع الفوائد يترافق مع ارتفاع بالمخاطر. ويبرر المصرف تلك العقود بأنها محدّدة المعايير من قبل مصرف لبنان.

ومن قال أن مصرف لبنان لم ولا يخالف القوانين؟ يقول محامو رابطة المودعين أن غالبية الممارسات التي تقوم بها المصارف، ومن بينها العقد المذكور من بنك عودة، ومن يقف وراءه أي مصرف لبنان مخالف للقوانين، ولأبسط الحقوق الممنوحة للمودع، ولا صفة لكل تلك الممارسات أدق من “الاحتيال المنظم”.

التعميم 158
بين الشكاوى الكثيرة على بنك عودة، ثمة شكوى أخرى بعدم تطبيقه للتعميم 158، ومنع أكثر من مستفيد منه من التقدم بطلب للاستفادة من التعميم. وقد توجهت “المدن” بسؤال إلى رئيس قسم الإعلام والتسويق في “بنك عوده”، جان طرابلسي، الذي أكد أن المصرف توقف فعلياً منذ أيام عن تطبيق التعميم 158، بهدف استيضاح بعض الأمور المتعلّقة بالحسابات المشتركة. وبعد صدور قرار مصرف لبنان الأخير، الذي يوضح دقائق التطبيق، استأنف المصرف قبول طلبات المودعين ابتداء من صباح اليوم 11 آب، للحسابات المنفردة، في حين يعمل على إتمام الإجراءات التقنية لتطبيق التعميم على الحسابات المشتركة، على ما يؤكد طرابلسي.

تأكيد طرابلسي لم ينسجم مع موقف المصرف، تحديداً في فرع بنك عودة الظريف. فقد قوبل طلب أحد المودعين اليوم الأربعاء 11 آب (نتحفظ عن ذكر اسمه) برفض التقدم بطلب للإستفادة من التعميم 158، حتى قبل سؤاله ما إذا كان حسابه منفرداً أو مشتركاً. وعند استيضاحه عن السبب جاء الجواب بأن المصرف “في صدد قراءة متأنية لقرار مصرف لبنان 592 الذي صدر قبل أيام وقضى بإدخال تعديلات إضافية على التعميم 158”.

إرباك المصارف الذي بات واضحاً تجاه التعميم 158، وتناقض القرارات فيما بينها، وحتى داخل المصرف الواحد، والوسائل العديدة المعتمدة للالتفاف على التعميم، إنما يؤكد محاولة المصارف في شتى الوسائل التملص من سداد أي من الودائع لأصحابها بالعملة الأجنبية، على الرغم من التعسف الذي يمارسه التعميم 158 نفسه، ومن التحفظات القانونية الكثيرة عليه.