حملة الدفاع عن المودعين

قريباً تتحول الى رابطة


تظهر تعاميم وقرارات مصرف لبنان الأخيرة (٥٥١ معطوفة على القرار الوسيط ١٣٢٢٠ والقرار ١٣٢٢١) كمحاولة لحماية المودعين الصغار عبر إقرارها إمكانية سحب الودائع بما يوازي قيمتها من سعر السوق المحدد من مصرف لبنان. الامر المنافي للواقع والذي يشكل التفافا على ما تسرب عن خطة الحكومة من ان عمليات Haircut على المودعين الأكبر (أي ١٪ من المودعين).

تتخلص ارتدادات التعميم الاول الذي أتى على ذكر تسدّيد قيمة أي حوالة نقدية الكترونية بالعملات الاجنبية واردة الى المؤسسات غير المصرفية إليها من الخارج بالليرة اللبنانية وفقا لسعر السوق المحدد من مصرف لبنان، والقرار الثاني، الذي نص على ان أي عميل بإمكانه إجراء أية سحوبات أو عمليات صندوق نقداً من الحسابات او من المستحقات العائدة له بسعر السوق المحدد من المصارف، بالنقاط التالية:

أولا: في سابقة تاريخية قام مصرف لبنان بوضع مسؤولية تحديد سعر الصرف بين أيدي المصارف كما جاء في التعميم الثاني. وقد جاء هذا التعميم بعد فترة من التراشق وتقاذف المسؤوليات بين المصارف والبنك المركزي تجلى بإجراءات تعسفية عاشها المودعين منذ ايلول، ٢٠١٩. ويكرس هذان التعميمان التواطؤ الواضح على المودعين وحقوقهم، بالإضافة الى تحميلهم أعباء وأكلاف السياسات المالية والنقدية السابقة والحالية من أموالهم الخاصة.

ثانيا: إن صدور التعميمين لا يهدف سوى تأجيل بروز حجم الأزمة المالية إلى العلن، واحتواء حالة الهلع المجتمعي والتصاعد الجنوني للسعر المتداول لصرف الدولار الأميركي. فعمد مصرف لبنان من خلال التعميمين لتحرير سعر الصرف جزئيا بصورة غير رسمية ليشرع بهذا وجود أسعار مختلفة للصرف مما يشكل مخالفة صارخة للقانون لاسيما نص المادة 2 من الباب الأول من قانون النقد والتسليف التي تنص على ان قيمة الليرة تحدد بقانون.

فبذلك، يقتص من قيمة الودائع ويضع الناس امام خيار اما سحب الودائع بقيمة السوق المحدد من المصارف او الإبقاء عليها والاستحصال عليها بقيمة الصرف الرسمي.

ثالثا: إن التعميمين يشكّلان ضوءا أخضرا لانفلات سعر صرف الدولار في الأسواق المحلية، كونه يهدف إلى مصادرة ناعمة للعملات الأجنبية وذلك دون تأمين حاجة السوق للدولار الأميركي. اذ سيرغب المودعين بتحويل ودائعهم المسحوبة بالليرة الى عملة أكثر استقرارا، خاصة بعدما فقد اللبنانيون ثقتهم بالعملة الوطنية. هذا سيؤدي بدوره لتهافت أكبر على العملات الأجنبيّة وانهيار سعر الليرة.

رابعا: ان عملية ضخ العملة الورقية اللبنانية بكمية كبيرة سيؤدي حتما الى تضخم إضافي في السوق الاقتصادي في ظل تلكؤ وزارة الاقتصاد على ضبط الأسعار وضمان حقوق المستهلك خاصة مع ثبات الإيرادات لأصحاب الأجور المثبتة بالليرة ونسبة البطالة المرتفعة.

إن من شأن كل ما تقدّم أن يدلّ بشكل حاسم على تفاقم الأزمة المالية المتردّيّة أصلا، وسيؤدّي بالتالي إلى زيادة الطلب على هذه العملات في سوق الصرف، والسوق السوداء، ما سيساهم بانهيار قيمة الليرة اللبنانية لمستويات قياسية مقابل العملات الأجنبية لا سيّما الدولار الأميركي.

كل هذا يشكل مخالفة لدور مصرف لبنان المنصوص عنه في قانون النقد والتسليف لاسيما في مادته 70 والتي تنص صراحة على دوره بالمحافظة على سلامة النقد اللبناني وعلى الاستقرار الاقتصادي، اضافة الى ان تعاميم مصرف لبنان المتعلقة بتحديد اسعار للصرف لدى الصرافين وشركات تحويل الاموال، هي مخالفة للقانون لا سيما المادة ٢ من قانون النقد والتسليف ، اذ لا يملك المصرف صلاحية تحديد قيمة الليرة اللبنانية مقابل العملات. وتشكل هذه الأفعال مجتمعة خطأ فادحا في إدارة عمل المصرف المركزي.

وبالنتيجة على الحكومة مجتمعة أن تقوم بإعلان خطة طوارئ مالية-اقتصادية متكاملة وعادلة يخضع لها مصرف لبنان وتوضح لعموم اللبنانيين والمودعين خصوصا تفاصيل السياسات المالية العامة، كيف ستحمي قيمة الودائع الصغيرة والمتوسطة، كيف ستقوم بتوزيع الكلفة بشكل عادل يضمن حقوق صغار ومتوسطي المودعين، وكيف ستخرج الاقتصاد اللبناني من هذا الانهيار. فليس من المقبول الركون لتعاميم عشوائية، خالية من أي منطق اقتصادي، ومالي، فيما تستمر الضبابية بالتعامل مع أصحاب الحقوق.