لم يكد حبر استياء المصارف، وتنكرها للمقال الذي نشرته “نداء الوطن” تحت عنوان “المصارف تنهش “حق” المودع اللبناني” يجف، حتى خطّ “بنك انتركونتيننتال” قراراً يؤكد المسار الذي تنحى المصارف باتجاهه. ففي خطوة من شأنها زيادة الأعباء على الشركات والمؤسسات المنهكة في القطاعين العام والخاص، فرض IBL عمولة ثابتة بنسبة 5 في المئة على مجموع الرواتب المحولة إلى حساب موظفي الشركات.

بغض النظر عن الفذلكة القانونية لهذه الخطوة، أو عن حق المصرف في فرضها على قاعدة “إللي مش عاجبو يرحل”، فانها تبقى غير منطقية. وهي تعكس حالة “الإفلاس” التي وصل إليها القطاع، ومحاولته تسكير مصاريفه بعمولات من حساب المودعين سواء كانوا شركات او أفراداً. ردة الفعل الأولى التي ستتخذها الشركات المنهكة، التي تدفع رواتب موظفيها بالتقسيط، هي محاولة نقل حساباتها إلى مصرف آخر.

وإذا تعذر هذا الأمر بسبب اتفاق المصارف في ما بينهم على وحدة المعايير، “ستلجأ الشركات إلى دفع رواتب موظفيها نقداً أو بواسطة الشيكات. أو حتى من الممكن أن تحسم نسبة الـ 5 في المئة من أجورهم”، يقول رجل الأعمال مارون شراباتي، وعليه “ستنعكس هذه الخطوة في النهاية سلباً على الأجراء والموظفين، وسيتحملونها من رواتبهم المتهاوية والمتناقصة والمعدومة القيمة الشرائية”.

رابطة المودعين طالبت المصرف برسالة خطية تبرر هذه الخطوة، خاصةً وأن “أياً من هذه العمولات او الزيادات غير القانونية ليست ملحوظة في عقود فتح الحسابات، التي يستنسب المصرف في فرضها”. وبحسب عضو الرابطة هادي جعفر فانه “حتى مع وجود بند في العقد يجيز هذه الزيادة، فان العملية تبقى غير مبررة وغير قانونية. ذلك لأن غياب قدرة العميل على الرفض، وعجزه عن اختيار مصرف آخر، تجعل من البنك هو الطرف القوي المتحكم. وأي قرار يتخذه من هذا النوع يعتبر قراراً تعسفياً. وأي زيادة من دون موافقة العميل، تصبح من قبيل الخوة المبنية على ابتزاز المودعين والإحتيال عليهم بعد إساءة الأمانة بودائعهم”. الرابطة أنذرت المصرف بوقف هذه العمولة فوراً، وإلا ستلجأ إلى إنذاره بشكل قانوني، وإتخاذ كافة الإجراءات بحقه، ومنها: تقديم شكوى إلى لجنة الرقابة على المصارف وإخبار الى المراجع القضائية المختصة.

تسابق المصارف وتنافسها خلال السنوات الماضية على تقديم العروض المغرية للشركات وموظفيها “علّق” الجميع. و”فورة” التوطين طالت مجمل موظفي القطاع العام وجزءاً كبيراً من مستخدمي القطاع الخاص. الإغراءات آنذاك بحسب شراباتي، كانت كبيرة. و”كان الموظف يأخذ قروضاً وتسهيلات، ويفتح خطوط اعتماد، ويوطن فواتيره… وغيرها الكثير من الخدمات، التي لم تعد اليوم موجودة أساساً”. وعليه فقد التوطين الجزء الأكبر من منافعه، ولم يعد البنك إلا صندوقاً لقبض الراتب. وهذا “ليس عملاً مصرفياً”، برأي شراباتي. “حتى قبل فرض العمولات بنسب تصاعدية على كل الخدمات المصرفية”.

ما اعتبره البنك جزءاً من تحديث الشروط المصرفية، ما هو في الحقيقة إلا إمعاناً وتعزيزاً لسيطرة الاقتصاد النقدي cash economy. وهو نوع متخلف من الاقتصاد، يشجع على التلاعب بالنقد والتهريب والمضاربة وتبييض الأموال وتعزيز الفساد. كما انه يحد من القدرة على الانتقال نحو الاقتصاد الرقمي والعملة الرقمية، التي كان قد جرى طرحها قبل مدة من السلطة النقدية كجزء من الحل. فرفض التعامل ببطاقات الاعتماد بداية، ومن ثم صدور التعميم 573 الذي يفرض على الشركات المستوردة سداد المبالغ المتوجبة عليها للمصارف بالليرة اللبنانية نقداً، وصولاً اليوم إلى عرقلة التوطين… إجراءات من شأنها زيادة “عزلة” الاقتصاد، والإمعان في فقدان الثقة.

إذا عُممت هذه الخطوة على بقية المصارف، فستزيد التكاليف على الدولة وحدها بما يقارب 300 مليون دولار سنوياً، باعتبار ان مجمل الرواتب والتعويضات التي تدفع بواسطة البنوك تصل إلى 6 مليارات دولار. فهل الدولة المفلسة تستطيع تحمل هذه الأعباء؟ وماذا ستكون نتائجها على مجمل الوضع الاقتصادي والمعيشي للشركات والمواطنين؟