DU Posts

قام المصرف المركزي عبر القرار الأساسي رقم ١٣٣٣٥ تاريخ ٨/٦/٢٠٢١ بإقرار إجراءات استثنائية، تحت ما سماه “تسديدا تدريجيا لودائع بالعملات الأجنبية” وهو أمر خال من الصحة. فالقرار المذكور كسابقاته مصمم لتحميل الكلفة لأصحاب الودائع الصغيرة والمتوسطة وباطنه تجميد للحسابات المصرفية ويشكل حماية للمصارف على حساب المودعين.  تناشد رابطة المودعين أصحاب الودائع الصغيرة والمتوسطة لعدم الرضوخ لمحتوى القرار، وتطلب من القضاء المعني آخذ الإجراءات لكف يد الحاكم عن العبث بالأمن الاجتماعي وتعديه السافر على القانون والدستور، كما تحمل الرابطة المسؤولية الأكبر للكتل السياسية في البرلمان اللبناني، رئيس الجمهورية والسلطة التنفيذية على استمرار هذه السياسات المجرمة.

وبناءا عليه يهم رابطة المودعين أن تبين للرأي العام الحقائق التالية حول القرار الأساسي المذكور:

  • تجاوز لصلاحيات الحاكم على حساب السلطة التشريعية والقضائية

من الناحية التشريعية، ان القانون لا يعطي حاكم مصرف لبنان الحق بوضع الضوابط على السحوبات وتحميل المودعين haircut على ودائعهم، حيث أن السلطة التشريعية هي وحدها مخولة إقرار ضوابط على التدفقات المالية. فتعليل حاكم مصرف لقراره بالمواد ٧٠ و ١٧٤ من قانون النقد والتسليف هو تعدي على الدستور وعلى صلاحيات السلطة التشريعية والقضائية. حيث أن المواد المذكورة لا تعطي مصرف لبنان الحق بتحديد كيفية إعادة هذه الودائع التي هي وفق قانون النقد والتسليف، وقانون التجارة، وقانون الموجبات والعقود، يجب أن تعاد كما هي، بعملة الإيداع. فقرار تقسيط الودائع بناءا على المواد ٧٠ و١٧٤ يعتبر هرطقة قانونية بأفضل الحالات.

يقوم هذا التعميم أيضا بتجاوز السرية المصرفية المنصوص عنها قانونا، والتي تذرع بها الحاكم لمنع إقرار تحقيق جنائي في حساباته سابقا، بينما يتجاوزها اليوم بسهولة للانقضاض على أصحاب الودائع الصغيرة والمتوسطة. كما أن التعميم يكرس التفريق غير القانوني بين أموال قديمة وجديدة، وأموال أودعت قبل٣١/٢/٢٠١٩ وبعدها، وهو أمر مرفوض من المودعين، فالوديعة تعاد كما هي بكاملها كما ينص قانون الموجبات والعقود، وقانون النقد والتسليف.

  • القرار يجمد الودائع ويقتص من قيمتها

بينما يجري التسويق للقرار على كونه تسديد تدريجي للودائع بالعملات الأجنبية، فان مضمونه خطير لناحية تجميده الودائع لأمد غير معروف قابل للتجديد بشكل اعتباطي وغير خاضع لأي ضابط قانوني واضح. فكل مودع يريد أن يشمله هذا التعميم يتوجب عليه أن يحول مبلغ لا يتجاوز ال ٥٠ الف دولار الى حساب خاص متفرع مبهم الشروط والاحكام. كما أن الية التسديد الطويلة الأمد والتي تعطي نصف القيمة بالدولار الأمريكي والنصف الاخر على سعر الصيرفة المحدد من المصرف المركزي والذي غالبا ما يكون أقل بكثير من السعر الحقيقي للدولار، يشي أن هذا القرار هو توأم للقرار ١٥١ باستهدافه قيمة الودائع الصغيرة والمتوسطة، حيث يجري اقتطاع نسبة لا يستهان بها من الودائع. علما أن القرار يحوي على مهل متناقضة فهو يقول أن مدته سنة واحدة قابلة للتعديل من جهة ويذكر في المادة ١١ من القرار نفسه، أنه سيبقى ساريا لغاية تحرير جميع الأموال المحولة الى الحساب الخاص من جهة أخرى.

  • القرار خال من رؤية اقتصادية واضحة

ان قرار الحاكم بتسييل الالتزامات المصرفية عبر طبع النقد لتسديد نصف قيمة السحوبات بالليرة اللبنانية، بالإضافة الى عدم قانونيته، سيكون له تداعيات مدمرة على الاقتصاد الوطني. تشير توقعات اقتصاديي رابطة المودعين الى أن هذا القرار سيزيد حجم الكتلة النقدية المتداولة خارج مصرف لبنان بنسبة ٦٩ بالمئة الذي سيؤدي الى تضخم مفرط في المستقبل القريب، وخاصة في ظل غياب خطة تثبيت ماكرواقتصادية ومالية تعيد الانتظام للقطاع المصرفي والاقتصاد الكلي. وكان صندوق النقد الدولي قد عبر أيضا عن مغبة اتباع هذه الخطة الهوجاء.  حيث أن التضخم سيعمل على الاقتطاع من قيمة الودائع التي يجري سحبها بالعملة اللبنانية، كما سيكون له تبعات مجرمة على الأكثر فقرا في لبنان. رابطة المودعين تحمل مصرف لبنان، والمصارف والسلطة التشريعية والتنفيذية المسؤولية الكاملة على انهيار الأمن الاجتماعي التي يشهده لبنان. بالإضافة الى ذلك، من غير الواضح كيف ستعمد المصارف على تسديد التزاماتها بالدولار وبشكل مستدام على خمس سنوات. وبالفعل فبيان جمعية المصارف في ٣ حزيران، ٢٠٢١ يشي بأن المصارف غير قادرة على تأمين العملات الصعبة، وهي فعليا متوقفة عن الدفع منذ نهاية ٢٠١٩. فيصبح مصدر التمويل بأكثريته من الاحتياطي الإلزامي اي من آخر ما تملكه الدولة اللبنانية، ومرة أخرى تنجو المصارف من العقاب وفشلها الدائم بالقيام بأبسط الأمور كتطبيق ما طلب في التعميم ١٥٤ لناحية تكوين سيولة ٣% لدى المصارف المراسلة.  فكان حريا بالمصرف المركزي، بدل محاولة انقاذ المصارف عبر شعوذات مالية فاشلة غير مستدامة، الإعلان عن خطة مالية واضحة تعيد الانتظام للقطاع المصرفي عبر الاعتراف بالخسائر، وإقرار الية واضحة وعادلة لتوزيعها.

  • القرار يزيد من الاقصاء المالي

سيقوم هذا القرار، اذا نفذ، بزيادة مستوى الاقصاء المالي الذي عمدت المصارف الى تنفيذه في الفترة السابقة حيث عمدت المصارف لإقفال حسابات المودعين قسرا وبشكل غير قانوني، وكانت الرابطة قد قامت بعدة دعاوى تلزم بها المصارف بإعادة فتح هذه الحسابات. ان اقفال الحسابات نتيجة لهذا القرار سيكون له تبعات اجتماعية واقتصادية طويلة الأمد على التنمية الاقتصادية وعلى قدرة لبنان على النهوض، حيث سيرمي بمئات الآلاف من اللبنانيين خارج النظام المصرفي. كما يضرب هذا القرار بعرض الحائط ثوابت النظام الاقتصادي الحر في لبنان، وله تبعات سلبية على حق وحرية اللبنانيين بالولوج الى الاقتصاد العالمي، الأمر المصان في الدستور.

هذا القرار يستهدف حماية المصارف واصحابها عبر تحميل الخسائر لأصحاب الودائع الصغيرة والمتوسطة الذين هم بأمس الحاجة للمال ليعتاشوا، ويستغل ضعف ويأس الناس لتنفيذ اقتطاع غير قانوني من قيمة ودائعهم تحت مسمى “تسديدها”. تناشد الرابطة المودعين أن يرفضوا التوقيع على أي عقد أو تعهد يلزمهم بعدم المطالبة بوديعتهم وحقوقهم، المكفولة بالدستور والقانون، وأن لا يقعوا فريسة احتيال تعاميم الحاكم المحابية للمصارف على حساب حقوق المودعين.